لا يمكن الحديث عن الوعي التاريخي الذي يعني بذل جهد عقلي من أجل استشراف معالم المستقبل استعانة بمعالم الماضي عبرا و أحداثا ، دون الحديث عن الزمان ، ليس كمعطى ميثافيزيقي مجرد ، فذلك ليس من شأن هذه الأطروحة ، بل الزمان في تاريخه ، حيث يصبر مجالا ضابطا لحركة تغييرية بشرية واعية ، أو الزمان و هو يتحدد بما يمتلئ به من حركة هادفة واعية ، مؤثرة في حياة الإنسان . ذلك أن كل المخلوقات تعيش الزمان ، و تعيش فيه ، و تتغير خلاله ، و يحاصرها بولادة و موت لكن دون أن تعيه ، و دون أن تجد نفسها مضطرة تحت إلحاح عامل نفسي عميق غريب ، إلى مسابقته ، أو مسايرته ، أو التاخر عنه ، و النكوص إلى ماضيه ، كما يتم ذلك للإنسان ، طبعا على المستوى الشعوري ، من خلال حالات و سلوكات يعتقد إذا انخراط فيها انه قد عاد إلى ماضيه - مثلا - أو استعاده ، أو قفز إلى مستقبله ، أو تمكن من حاضره ، فما يمضي إلا كما يشاء له أن يمضي ! و هذا هو الشعور الذي انتاب " أبانواس " قديما حين قال ، و هو في حالة من حالاته ! : دارت على فتية دان الزمان لهم فما يصيبهم إلا بما شاؤا !
... و لم نشأ لهذا العمل أن يتجه إلى صريح التنظير ( الدراسة النظرية ) باعتبار الرصيد الضخم للأطر النظرية التي دعت إلى الاهتمام بالنص ، و بمناهج دراسته . و من حيث كانت النظرية لصيقة الدرس التطبيقي لأهميته ، و حاجة العربي إليه قارئا و دارسا . مؤسسين - من اجل تحقيق ذلك - على المفاهيم و المصطلحات الجاري استعمالها في التراث العربي باعتبار أصالتها ، و انسجامها مع خصوصيات الدرس اللساني العربي المدعوم بنفحات التفكير التداولي . و لم نجد حرجا في تعديل بعضها أو الإضافة إليها انطلاقا من طبيعتها المرنة القابلة للتكيف مع مقامات البحث و سياقته . ... و على الرغم من أصالة الشاعر عبد الله البردوني ، و غزارة إنتاجه فلم يحظ بما يكفي من الدراسات النصية التي كان ينبغي أن تستجيب إلى الخصوصية الشعرية و الأدبية التي اتسم بها ، و التي مثلت عينة في الشعر العربي ، باستثناء ثلاث دراسات - في ما نعلم ...